الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

قصة مثل ( ما نيش صايدتك و لانك طيري ) - من الأمثال الشعبية الليبية

هذا المثل لقصة واقعية حدث في الزمان السابق :-
كان في الزمان السابق عدد النساء قليل بالنظر إلى عدد الرجال ، ليس كما الآن ، حيث يتسابق الرجال على خطبة النساء الجميلات والتي يرى كل رجل أنها الأنسب له والأفضل ، وقد حدث كثير من المنازعات بين الرجال والعائلات والقبائل حول إمرأة واحدة تقدم لها عدة رجال ، فبعض النساء أشتهرت بجمالها ، وبعضهم بحسن التصرف والذكاء ، وبعضهم بالنسب الرفيع ، وبعضهم بوفرة المال عند أهلها ، وغيرهم ، وهناك قصص عديدة في هذا الموضوع مازالت الأجيال ترويها إلى الآن .
في ذلك الزمان كان هناك رجل أحب إمراة حباً كبيراً ، وكان كلاهما شاعر ، ولكن هذا الرجل ليس لدبه مال وفير ، وليس له نسب رفيع أو عائلة اشتهرت بوفرة المال لديها ، وحاله أنه رجل بسيط لا يملك مالاً ولاجاهاً ولا رفعة في نسب ورثها من عائلته ، اللهم إلا نفسه فقط وهو راضٍ عنها ، فطلب من أخته وأفراد أسرته أن يخطبوا له تلك المرأة وهي من عائلة أخرى ، لما سمعه عنها من جمال ونسب رفيع ، وقد أعجبه ذلك فلابأس أن يخطبها لنفسه ، فتقدمت أخته لسؤال المرأة عن رغبة أخيها في خطبتها ، وعندما حدتثها عن رغبة أخيها ، قالت لها المرأة : لا ، وفرضته بشدة ، وردت عليه ببيت من الشعر :- (مانيش صايدتك ولانك طيري ***ايداعيك مكتوبك وتلقى غيري ) ، وذهبت الأخت إلى أخيها بهذا البيت الشعري ، فطلب الرجل من أخته الرجوع إلى المرأة والاستفسار أكثر عن سبب رفضها وصدها له ، فقالت السبب هو أنك :- ( مانكش صقر الجلوة ***ومانكش طيري مرتكز عل علوة *** حق النبي والزاوية والخلوة *** زرزور زيك مايذوق شعيري ) ، وقد شاع ذلك الشعر بين الناس كعادة الناس من قبل ، حيث كان الشعر هو مصدر تناقل الاخبار بينهم ، فصار يرويه القاصي والداني ، حتى أن الرجل لقب بالزرزور ، ويقال له : جاء الزرزور ، ذهب الزرزور ، والزرزور هو طائر صغير يقتات على الحبوب الصغيرة والديدان وبعض ثمار الأعشاب ، وهكذا .
فالمرأة اكتفت بهذا الرد ، وفرحت به كثيراً ، لقطع الطريق أمام أي رجل يرغب في الارتباط بها ، فهي أوضحت للجميع شروط الاتباط بها ، وأصبح الرجال الذين لا يملكون طلبها ينسون التفكير في التقدم لخطبتها ، وبقيت في انتظار الأيام القادمة وما تحمله لها من مستقبل .
الرجل غضب غضباً شديداً ، وعرف أن رفض تلك المرأة له من أجل المال الذي هو لا يملك منه شيء ، أما النسب الرفيع والجاه فلا يستطيع له سبيل ، فقرر أن يسافر لجمع المال الكافي لحياته المستقبلية ، وقرر أن لا يرجع إلا ومعه ما يجعله ذو شأن ، فسافر إلى بلاد بعيدة ، وبعد مدة قيل أنها خمس سنوات عمل فيها بكل جد ونشاط وتضحية ، جمع مال لا بأس به ، فقرر أن يعود إلى أهله ، وقد أشترى غنم وإبل ومعه رعاة لهما ، ومعروف في ذلك الزمان أن المال في البادية هي الغنم والإبل فقط حتى يعرف الشخص وعائلته بأنهم من الأغنياء وذي شأن ، وعند رجوعه وفي الطريق يبحث عن خيام أهله ، وهو عندما يصل إلى مكان ما يسأل عن أهله ، وكلما وصل إلى خيام يسألهم فيعرف أن أهله مازالوا بعيدين أو قريبين ، ويستمر في المرور على كل الخيام التي تقابله ويسأل ، حتى وصل إلى خيام أهل المرأة التي سبق وأن تقدم لخطبتها ، فقال للرعاة اقتربوا من الخيام أكثر حتى ترى أهل المرأة التي خطبها وصدته ما وصل إليه من غنم وإبل ، والرعاة يقولون لمن يمر بهم أو يصادفهم هذه غنم وإبل فلان (يذكون أسمه ليعلم الجميع بأمره ) ، وقد تساءلت نساء تلك الخيام عن صاحب هذه الأغنام والإبل التي لم يروها بينهم من قبل ، فيرد عليهم الرعاة هذه أغنام وإبل فلان ، وقد وصل الخبر إلى المرأة التي تقدم لخطبتها ، فعرفت ما وصل إليه ذلك الرجل من شأن وهو الذي تقدم إليها سابقاً وصدته صداً شديداً ويدمر كيان الرجال ، واستمر في البحث عن خيام أهله حتى وصل أخيراً ، وقد رأى أهله طلائع الأغنام والإبل التي ملكها بعرقه وكفاحه ، وصاروا يهللون له ويباركون له ، ويهنؤونه على عودته ومعه كل هذه الأنعام ، فخرص الجميع عن قول كلمة زرزور ، بل أصبحوا ينادونه بالشيخ فلان بدل (الزرزور) ، وقد أمر بالذبائح لأهله وإكرامهم ، وبعد ثلاثة أيام من عودته ، سأل عن المرأة التي تقدم لخطبتها سابقاً أهي مازالت حية ؟ فأجابته أخته : نعم مازالت حية ، فسألها : هل تزوجت ؟ فأجابته : على علمنا أنها لم تتزوج بعد ، فطلب من أخته العودة إليها مرة أخرى وخطبتها ، ترددت الأخت كثيراً ، وطلبت من أخيها نسيان الموضوع نهائياً وعدم الرجوع له ثانية ، فقال لها : لابد من المحاولة ثانية وإلا لن اتزوج ما حييت ، وصمم على ذلك ، فما كان من أمر أخته إلا الرضوخ لطلب أخيها ، وذهبت إلى تلك المرأة فسألتها أن أخيها مازال يحبها ويريدها زوجت له ، فهي تعلم ما وصل إليه من شأن كبير ، ورأت كيف أصبح حاله ، فقالت المرأة : الآن ليس لدي مانع من الارتباط به والقبول به زوجاً ، ففرحت أخت الرجل ، وعادت إلى أخيها مستبشرة فرحة لتزف لإخيها الخبر ، ففرح هو الآخر بالخبر السعيد ، وما مرت أيام حتى خطبت تلك المرأة له ، وقدم لها الهدايا من مهر وغيره ، وحدد موعد الزفاف ، وزفت له ، وعندما دخل بها ، بعد السلام والترحيب بها وفرحته التي لا تقدر بثمن ، والاطمئنان على أحوالها ، جاءت ساعة الصفر ، حيث قال لها : ماذا قلتي لي عندما خطبتك المرة الأولى ؟ فترددت كثيراً وقالت له : أن ذلك الزمان قد ولى ونسيته بما فيه ، فقال لها : يجب أن تعيدي على مسمعي ما قلت ، حتى نفتح صفحة جديدة في حياتنا ، فقالت له أنسى الموضوع لا تذكرني به ، فقال لها : لابد من أن تعيدي على مسمعي ما قلت ، وبعد تصميم الرجل على ذلك وإلحاحه عليه ، رضخت للأمر الواقع ، فقامت بإعادة ما قالته سابقاً فقالت: مانيش صايدتك ولانك طيري ***ايداعيك مكتوبك وتلقى غيري – فقال له أكملي أريد الشطر الثاني من البيت ، فقالت :-
مانكش صقر الجلوة ***ومانكش طيري مرتكز عل علوة *** حق النبي والزاوية والخلوة *** زرزور زيك مايذوق شعيري.
فتنهد تنهيدة كادت أن تخرج منها أنفاسه ، فهو انتظر السنين لكي يحصل على هذه اللحظة المرة ، فقال لها : صحيح كنت لا أملك من متاع الدنيا شيء ، وهذا ليس بالعيب ولا النقصان أبداً ، فأهلي لا يملكون مالاً ولا جاهاً ، ولكن جعلت مني زرزور ، وصار الناس ينادونني بهذا الاسم ، كم هذا فظيع جداً ومقرف ، والآن ماذا تريدين ؟ لقد أصبحت صاحب مال وجاه والحال تغير ، ولكن كلمة زرزور من يسامحك عليها ، فأنا كنت أرى نفسي صقراً فحطمت كبريائي بأن جعلتني زرزور ، ما هو ردك الآن ؟ فسكتت سكوت مميت وكأنها عرفت أنها أخطأت الخطأ القاتل في حياتها ، ولكن رد الماضي مستحيل ، فالسكوت أحسن من يخرج كلام قد تكون فيه نهاية حياتها من الندم ، ترى ماذا سيكون رد الرجل ، إنها في انتظار القصاص الآن .
تنهد الرجل مرة أخرى وكأن حمل ثقيل كان جاثم على صدره ، وكأنه كان يتجرع مرارة السنين التي قضاها في الغربة ، وكلها من أجل هذه اللحظة ، فقد حان قطف الثمار ، وكأنه عاش ليرى هذه اللحظة ويأخذ بدين قديم صبر عليه وذاق الأمرين من أجله ، واللحظة التي يرد فيها الدين قد جاءت الآن .
وبعد سكوت خيم عليهما وكل منهما ينظر إلى الآخر بنظرة ترقب رهيب جداً ، من يبادر الآخر بالكلام فيكسر الصمت القاتل ، وبعد أن راجع اللحظات المرة في حياته وبسرعة فائقة كسر الصمت .
فقال لها : يحرم عليّ فتاشك ***ويحرم عليّ مرقدك وفراشك *** خوذي جمل ضمي عليه قشاشك *** وهذه الطريق وين تبي سيري .
الآن الناس والضيوف وأصحابه في انتظاره ، وأن يخرج لهم ليبلغهم أن الأمور سارت على أكمل وجه :-
وإذا بالمرأة خرجت من الخيمة ، وهي تبكي بكاء شديداً ونحيب ليس له نظير ، فصارت بلبلة في الحضور ماذا حدث ؟ ماذا حدث ؟
فأجابتهم أنه قد طلقها وحرمها على نفسه قبل أن يفعل بها ما يقوم به العرسان في ليلة الدخلة ، فقالوا لها : لماذا ؟
فقالت لهم لقد كان هناك دين له عليّ فأخذه ، وطلقني وحرمني على نفسه .
وبعدها خرج هو من خيمته وذهب إلى أصحابه و أهله الذين كانوا في انتظاره ، فروى لهم ما حدث .
فقد ضحى بحبه للمرأة من أجل كرامته ، حتى إذا قال له أحد ، أو ناداه أحد باسم الزرزور ، عرف ما حدث فيسكت بمفرده ، وانتهى هذا الاسم الذي كان يراه ذلك الرجل بأنه إهانة لرجولته وكرامته .
وهكذا بقيت الأمور فترة من الزمن ، أما الرجل فقد تزوج من إمرأة أخرى ، وعاش حياته ، وقد قيل أن تلك المرأة بقيت بدون زواج إلى أن ماتت (والله أعلم ) فقد انتهت الرواية إلى هنا .
أنظر إلى دور الشعر في الزمان السابق ، وماذا ينتج عنه من مشكلات بسبب الألفاظ الغير سوية في حق أحدهم ، وكيف تبقى له تاريخ مسجل يتناقله جيل بعد جيل .
ولا نعلم ماذا حدث بعد هذا .
ارجو أن نستفيد من هذه القصة ونأخذ عبرة منها ومن أحداثها ولا نلفظ كلام قد يجرنا إلى معضلات ليس لها حل .

والسـ عليكم ورحمة الله وبركاته ـلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بتعليقاتكم على منشوراتنا و تذكروا قول الله تعالى و ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد