الاثنين، 22 أكتوبر 2012

مدينة الزاوية العنقاء تسرد قصة ثورتها ضد الطاغية

* متابعة: مفتاح محمد - عبد الله المقطوف
* تصوير: عمر النجار
قصص نتذكرها بمجرد أن يذكر اسم المنطقة أو المدينة التي حدثت ، فماذا سنتذكر الآن وكم من قصة أو حدث أو واقعة عندما يأتي ذكر ثورتنا عندما يحين الاحتفال عندما نحس أن تاريخنا بدأ يظهر على حقيقته بمجرد أن شارفت أول ذكرى لثورتنا على القدوم قلنا علينا أن نشتغل وأن نجمع ونوثق حقائق ثورتنا وأحداثها وأن نذكر شهداءنا وجرحانا في هذه المناسبة ولكن هيهات لن تستطيع ذلك لأنه لا الوقت ولا الصفحات ولا الأقلام ستسعنا لفعل ذلك ، لكن لا بأس أن نتطرق لأكبر القصص وأكبر ملاحم الجهاد لنقوم بنشرها ، « إن من أكبر ملاحم الجهاد ضد الطاغية المقبور وأزلامه وأكبر المعارك وجهادها ، مدينة الزاوية التي لن تنحني هذا ماكتب على جدران منازلها وفعلاً لن تنحني بل قذفته هو ومن معه إلى غير رجعة تعلمنا من جهاد هذه المدينة أن الإصرار والعزيمة على تحقيق الأمن والنصر هو خير سبيل هكذا فهمنا من انتفاضات الزاوية الثلاث التي رأيناها لن يفشل هؤلاء الأبطال في تحرير مدينتهم حتى حصل ذلك ومن المعروف أن الأخبار والمعلومات والقصص سوف تنتج عندما يكون هناك جهاد من هذا النوع لذلك اتجهنا إلى مدينة الزاوية نحن فريق فبراير وقمنا محاولين جمع ما أمكن جمعه من قصص وحقائق هذه المدينة فعند وصولنا التقينا:-
بالأخ « جمال اسطوش » أحد الأبطال الذين اشتركوا في انتفاضة الزاوية في بدايتها حدثنا قائلاً : كانت الانتفاضة الأولى يوم الخميس 17/2 لم أكن متوجداً في ذلك اليوم عندما توجد مجموعة من شباب الزاوية على الطريق الساحلي لنصرة أهالي مدينة بنغازي ببعض الهتافات وسرعان ما انتهت وبعد ذلك كانت الانتفاضة الكبرى للزاوية يوم الجمعة 18/2/2011 وكانت دوافعها مدينة بنغازي عندما شاهدنا الصور ومقاطع الفيديو في التلفزيون من القمع والقتل والتنكيل وعدد الشهداء الذين قتلوا في ذلك اليوم أذكر حسب ما تناولته القناوات الفضائية كان العدد 300 شهيد خرجنا لأداء صلاة الجمعة في جامع السوق وبعدها التقينة أنا وابن عمي عبد الحكيم والشيخ عبد الحكيم بنين وحسين المغربي في نفس الجامع وأدينا صلاة العصر فأذكر أول كلمة قالها لي باعتباري أحد القيادات الشعبية في ذلك الوقت وكنت جزءاً من النظام قالوا لي « والآن » كانوا يقصدون بها ماالذي تنتظره بعد أن شاهدنا ما شاهدنا فأخبرتهم أن الأمر حسم بالنسبة لي ولن أرجع على تقديم الدعم والنصرة لأهلنا في بنغازي فاتفقنا على أن نتقابل على الطريق الساحلي في الليل فكان ذلك ، ومن النوادر في ذلك الوقت التقينا بصديق لنا من المناطق المجاورة يدعى « عبد الحكيم اللافي » هو متواجد الآن في أكرانيا في السفارة الليبية وكان في السابق مراقباً مالياً في «المكتب الشعبي» في ألمانيا كنا جالسين أمام الفندق ، وصورة الطاغية مقابلة لمجلسنا ، فقال لي يا سطوش متى ستسقط هذه الصورة فأجبته الليلة ان شاء الله فبدأنا بالهتاف البسيط « لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله » وبعد ذلك هتف صديقي حسين المغربي وعبد الحكيم بنين « يا بنغازي ماك بروحك والزاوي ضماد جروحك » وبعد ذلك خطر علينا الذهاب إلى ميدان الشهداء « ساحة المسجد بالزاوية » بعد أن تجمع الناس من حولنا وكان مجملهم من سكان الزاوية والبعض من ورشفانه وصرمان وصبراته ومن طرابلس فبدأنا نتوافد سيراً إلى الميدان فسألنى أحد الموجودة أيعقل أن تذهب إلى الميدان ؟ فأجبته اليوم ليس يوم العقل ، فاتجهنا ومررناً (بكوبري) بئر الغنم بالزاوية ومنه إلى الميدان ، فتسربت إلينا معلومة بأن منسقي « فريق العمل الثوري » في ذلك الوقت بانتظارنا فوق الكوبري فسلكنا الطريق المار تحت الكوبري حتى لا نصطدم بهم ، مروراً بالشوارع والمباني والأزقة حتى وصلنا إلى الميدان فأحرقنا جميع الصور للطاغية في ذلك الوقت وبعدها ذهبنا إلى مقر فريق العمل الثوري فأحرقناه ومزقنا كل الصور الموجودة وبعد ذلك أتت إلينا الشرطة وقامت برمينا بقنابل مسيلة للدموع اختنقنا وشعرنا بأن الهواء انقطع فتفرقنا وبالنسبة إليّ ولعامل السن المتقدم أحسست بالتعب فرجعت إلى البيت وبعدها ألقوا القبض عليّ في تلك الليلة فقام بإخراجي من مركز الشرطة بالمدينة في ذلك اليوم شخص يدعى خالد امبيرش بصفته مدير أمن الزاوية وقتها ونظراً لصلة الصداقة الأسرية بين العائلتين رجعت إلى منزلي حتى صباح يوم السبت فلم يكن لي دور في ذلك اليوم فاستمرت المظاهرات والمسيرات المؤيدة لأهالي بنغازي وبعد ذلك اتجهت لأداء صلاة العصر في المسجد والانتفاضات والاعتصامات قائمة فقررنا عندها الرباط داخل المسجد وبدأت المساومة بعد ذلك من قبل أزلام النظام على أن نترك المسجد ونرجع إلى بيوتنا فرفضنا وأبينا أن لا نتراجع عن هذا الأمر فاستمر هذا الرباط حتى جاء يوم الأربعاء الذي تم القبض فيه على إمام المسجد الشيخ عبد الله المقرحي وطلبوا منا أن نخرج فرفضنا فانتضمنا وقمنا بالتنسيق لتأسيس عيادة ميدانية ولجنة إعلامية ولجنة تموين فاشتد علينا الإلحاح للخروج باتصال من ضابط عسكري يدعى عبد السلام حسين فأجبته أن « العرق طاح في العين » كان كلامه معي استعطافاً واستجداء فلم ألتفت للأمر وبعد ذلك أتاني تحذير رسمي بأن أخرج الليلة لأني مستهدف وفي اليوم الثاني تحدث إليّ ضابط آخر وقال لي هل ساوموك قلت له نعم فقال ماردك قلت له سوف ترى ردي الآن ، التفت إلى المجموعة التي كانت معي وقلت لهم من كان يريد الموت في سبيل هذا الحق فليبقى وطلبت منهم أن ننقسم إلى مجموعتين مجموعة ترجع إلى منازلها وتستعد لتكملة المشوار بعدنا لأننا كنا نتوقع الموت المؤكد فأدينا بعدها عند الساعة الثالثة ليلاً صلاة المودع ونوينا الصيام استعداداً للموت ، وبدأنا في التكبير والتهليل وقرأنا سورة الأنفال وبعدها أدينا صلاة الفجر وعند وصول الساعة السابعة صباحاً تقريباً قامت الكتائب بالهجوم علينا من الناحتين واجهناهم ونحن لا نملك من السلاح شيئاً إ لى العصي والحجارة وبعض بنادق الصيد القديمة واجهنا الدبابات والمدافع واكتملت المواجهة في ذلك اليوم إستشهاد ما يقارب عن 13 أو 14 شهيداً وعدد كبير من الجرحى فأذكر أن الإصابات مباشرة في الرأس والرقبة والصدر وأذكر أني كنت أخاطب الكتائب مباشرة على بعد 40 أو 50 متراً وأطلب منهم ألا يقتلونا لأننا اخوانهم ولكن دون جدوى ولا أملك في يدي إلا عصا فقط ولكن بحكمة الله انتصرنا عليهم وألقينا القبض على ما يقارب من 7 أشخاص منهم كأسرى وبعدها بقينا أسبوعاً كاملاً ونحن نتمتع بالحرية « حتى أسميناه أسبوع الحرية » خرجت فيه إبداعات جميلة من شباب الزاوية آنذاك حتى جاءت أوامر الكتائب بإخلاء الميدان وتصفية جميع الموجودين فيه عن بكرة أبيهم فبدأت المواجهة الثانية معهم يوم الجمعة مع كتيبة خميس وكتيبة سحبان وكتيبة المهدي العربي فكان القتال عنيفاً عندها أبلى الشباب بلاءً حسناً لكن لم يستطيعوا الصمود كثيرا واستمرت المواجهة حتى يوم الاربعاء وقتها انسحب الشباب من الميدان وتفرق جميعهم اتجهت بعدها إلى «الجفارة » وبقيت فيها أربعة أيام ثم انتقلت إلى مزرعتنا الموجودة في منطقة جوددائم حتى ألقوا القبض علي وكان ذلك يوم الخميس 14/4/2011 ونقلوني إلى سجن بشارع النصر وبقيت فيه قرابة الشهر وبعدها نقلت إلى سجن أبي سليم فبدأ التعذيب والقمع والإهانات حتى يوم التحرير ولكن كل ما حصل لا يهمني في شيئ وأن كل ما مر علينا أنا والموجدون لم يترك في أنفسنا شيئاً إلا شيئاً واحداً فقط، حصل لنا في فترة السجن لن أنسى ذلك اليوم الذي جردونا فيه من ملابسنا دون استحياء وأذكر للتاريخ أن من قام باقتحام السجن واخراجنا منه هم ثوار أبي سليم فقاموا بعد ذلك بأخذي أنا ومجموعة معي إلى بيت أحد السكان الشرفاء في المنطقة بعدها تم نقلي إلى الدريبي ومنها إلى الزاوية .
ونظراً لعدم معرفة الأخ جمال اسطوش مجريات الأحداث التي حدثت بعد اعتقاله وحبسه أردنا تكملة القصة من أحد الثوار الذين كانوا من أول من خرج مع أبناء الزاوية لنصرة أهالي بنغازي ، التائر علي عبد السلام الرميح تحدث إلينا قائلاً أولا أترحم على كل شهداء ليبيا وجرحانا وأسأل الله لهم الشفاء العاجل خرجنا من منطقتنا يوم 17/2/2011 متجهين إلى الميدان مرددين الهتافات المناصرة لشعبنا والمناهضة للطاغية فقبل وصولنا قام رجال الشرطة بتفريقنا فتر اجعنا ولملمنا أنفسنا وعدنا في نفس الليلة لمحاولة الوصول إلى الميدان والاعتصام به فكان ذلك ، استعددنا لأي مواجهة فقمنا بتجميع الجيلاطينة وبعض بنادق الصيد وبعض القارورات الممتلئة بالبنزين فبدأت المواجهة فتراجعوا .
وحتى اقتر احاتنا بالاستسلام لبعض العسكريين التابعين للشعب المسلح في ذلك الوقت أمام أحد مقارهم الذي هاجمناه بغية التسلح لم يستجيبوا لنا بل قاموا بإطلاق النار علينا وللتاريخ أذكر أول شهيد سقط في ميدان الزاوية يوم 17/2/2011 الشهيد جمعة نصير سقط عند محاولتنا الدخول للميدان آنذاك فقد تم اقتحام المعسكر بحمد الله وأصيب ابن أختي أحمد الصادق الشيباني في ذلك اليوم بإصابة في جنبه الأيمن وقد تمكنا من الحصول على أسلحة بسيطة كلاشنكوف ورشاشات وبعض القاذفات وبعض المسدسات عندها اختفت جميع معالم النظام الفاسد من المدينة فقد قمنا بإحراق كل مايتعلق به نهائياً دون خوف ولا تردد حتى وصلتنا معلومات كاذبة أن القانقا والمهدي العربي ومجموعة من الضباط والرفاق ينضمون معكم وعند سماع الناس هذا الكلام والكلام الذي خرج من مذياع أحد سيارات الشرطة في ذلك الوقت بأن النظام انهار خرجت الناس للتظاهر بالتكبير والتهليل وفي يوم 19/2 أتت الكتائب ودخلت المدينة بكل قوة وأذكر ذلك اليوم الذي استشهد فيه العقيد حسين دربوك في منطقة الحرشة كانت مقاومة عنيفة بعد ذلك بدأت المواجهة الأولى ثم الثانية لا نملك أسلحة في ذلك الوقت إلا القليل كان يأتينا من ثوار الزنتان ودفنا من استشهد منا في ساحة الميدان كانت حرب كر وفر لم يستطع فيها الثوار الصمود كثيراً نظراً لقلة العتاد واندساس بعض أزلام النظام بين صفوف الثوار لازلت أذكر شخصاً كان يقوم بتجهيز سندوتشات « تن » تم توزيعها على الثوار وشخص آخر يقوم بتوزيع الشاي كلهم كانوا جواسيس ضدنا الأمر الذي جعل المقاومة تضعف وتنتهي وبعد ذلك رجع الثوار وانتفضوا للمرة الثانية في محاولة للسيطرة على المدينة وتخليصها من حكم الطاغية كانت هذه المحاولة من الثوار في منطقة مطرد يوم 11/6/2011 واستمرت هذه الانتفاضة ليومين ، فتفرق جميعهم ، منهم من اختبأ في الزاوية ومنهم من دخل للمناطق المجاورة ومنهم من دخل الجبل، واستشهد من استشهد وجرح من جرح لم يقتصر القتل حتى على الأطفال، احتلتها الكتائب ومارست فيها أبشع الجرائم والعذاب لمن بقي من العائلات وكأنهم ليسوا ليبيين وكأننا وقفنا في وجه «الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حاشا لله، انتقلنا إلى الجبل عشنا فيه أياما عصيبة نتدرب ليلاً ونهاراً نجمع السلاح من المعارك التي شاركنا فيها كغنائم وبعض الأسلحة التي تبرع بها الثوار من المناطق الأخرى المحررة عانينا الويلات اجسامنا وهاماتنا في المعارك بعيداً عن مدينتنا وعقولنا معلقة بالزاوية عملنا على يوم كنا على أتم الاستعداد إليه يوم التحرير الأكبر يوم 13/ 8/ 2011 نزلنا من الجبل مع إخواننا لتحرير المدينة تلو المدينة المنطقة تلو المنطقة حتى دخلنا إلى الزاوية في عقولنا صمدنا قاتلنا بكل شراسة قتال منتقم من الشر حتى وصل عدد الشهداء إلى حوالي 3000 آلاف شهيد تقريباً ثم أكملنا مشوارنا الذي بدأناه وساهمنا في تحرير باقي المدن الليبية حتى وصلنا إلى هذه اللحظة فعلينا أن نحافظ على ما صنعناه، وعلى ماقدمه أبطالنا لهذا الوطن علينا أن نكون يداً واحدة نبني ما أفسده الطاغية وأن نعيد الحياة إلى بلادنا وأطفالنا حياة كريمة تليق بهذا الشعب الثائر المجاهد..
كلنا نتساءل كيف تم معالجة هؤلاء الثوار المصابين أثناء الحرب وكيف تعاملوا معهم؟ لذلك التقينا مع أحد الثوار ولكنه ليس من حملة السلاح الناري بل سلاح الرحمة والتخفيف عن المصابين هو أحد الأطباء الناشطين الذين كانوا من أول الأشخاص الذين شكلوا وأسسوا مستشفى ميدانياً في بداية الانتفاضة، حدثنا محمد محمود البصير أحد سكان المدينة مواليد 1978 قائلاً كانت مساهمتي في الثورة منذ البداية عن طريق الفيس بوك تنادينا وتضامنا للوقوف في وجه الطاغية وأذكر عندما اقترب موعد الانتفاضة ذهبت إلى ميدان الشهداء الساعة 12 ظهراً اذكر أنه كان يوم الاحد فكان ذلك، التحمنا وقتها مع المظاهرة التي شاهدتها قادمة من تحت كوبري بئر الغنم بعد ذلك عدة للبيت وبعدها سمعت الرصاص في كل مكان فرجعت إلى الميدان وشاهدت وقتها عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى قمنا بتكوين عيادة بسيطة في المسجد آنذاك لم تكن الادوية والمعدات في ذلك الوقت كافية وجيدة إلا بعض علب الباندول والمضاط الحيوي في الفترة الأولى كانت الإصابات بسيطة والأضرار طفيفة لم تحتج إلى الأدوية وأن العيادة البسيطة كافية وبعد يوم 24 عندما تعرض المعتصمون في الميدان إلى هجوم كاسح بدأت الحالات تنهال عليها بإصابات مفزعة اذكر أنها كانت مباشرة في الرأس والرقبة.
تنادينا عندها نحن الأطباء لنفعل شيئاً لهؤلاء الجرحى فكان ذلك بإنشاء مستشفى ميداني وأذكر أن من بين الأطباء الموجودين طبيب مصري الجنسية بقي معنا إلى آخر يوم قبل اقتحام الكتائب الميدان هرب بعد ذلك هذا الطبيب عن طريق تونس ثم إلى مصر وأذكر كذلك شهيدا من الشهداء وهو من الأطباء تعرض للتعذيب قبل إطلاق الرصاص عليه وهو يحتضر ويكبر الدكتور عبد الرحيم الخضراوي وبعدها اعتقلنا وأسرنا لمدة 4 ساعات وبقدرة قادر أنه في ذلك الوقت كان هناك ضابط منهم مصاب فقمنا باقناعهم أننا نستطيع أن نحضر له سيارة اسعاف ومع اشتداد المعركة التهوا عنا قليلاً تمكنا عندها من الهرب والافلات اتجهنا بعد ذلك في يوم 8/ 3/ 2011 إلى جامع شلابي بعد أن قصف جامع الميداني وأنشأنا فيه آخر مستشفى ميداني آنذاك بقينا مرابطين فيه ما يقارب اليوم والنصف أسعفنا من استطعنا إسعافه من الجرحى واستقبلنا عدداً من الشهداء ثم انسحبنا من الجامع مع الثوار منهم من هرب إلى الجبل ومنهم من اختبأ في المدينة والعدد الأكبر تم اعتقاله وأنا أحد الثوار الذين بقوا في مدينة الزاوية كانت الحركة محدودة بعد أن قمعت الانتفاضة الأولى وبعدها خفت قبضة النظام وأصبحنا نتواصل بشيء من الراحة كونا من خلالها خلايا داخلية تعمل في السر والخفاء كان طبيعة نضالنا إما لوجستياً أو استخباراتياً أو توزيع مناشير أو توثيق بقدر الامكان واسعاف بعض الجرحى الذين لا يستطيعون الخروج للمستشفيات وبعد أن أتت الانتفاضة الثانية للمدينة انتفاضة مطرد حاولت أن أجمع بعض الأدوية قبلها لأكون جاهزا لإسعاف المصابين ولكن سرعان ما انقض عليها النظام وتفرق الثوار في ذلك اليوم لقلت الامكانات ولكن بعدها عرفنا أن التحرير قادم قادم بدأنا نجهز للمعركة الحاسمة معركة التحرير جهزنا مستشفى ميدانيا في السر كنا نشتري الأدوية من الصيدليات بالقطعة ونخبئها لكي لا يكشف أمرنا كنا نلتقي في منطقة اسمها «الحارة» وفي يوم 13/ 8/ 2011 كان يوم دخول الثوار القادمين من الجبل كان هذا اليوم الذي كنا نحلم به التحمنا معهم وكنا في الموعد بدأت المساجد بالتكبير وبدأت الناس تنتفض بدأنا نستقبل الجرحى ونقوم باسعافهم فاندمجت كل المستشفيات الميدانية آنذاك إلى مستشفيين فقط مستشفى الشفا هو من كان المستشفى الرئيس وقتها دارت في ذاك اليوم معركتان من أكبر المعارك في الزاوية معركة الميدان ومعركة الكراكشة استقبلنا فيها عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى وبعد ذلك تم التحرير ودخلنا مع الثوار نحن الأطباء، عندما انطلقوا نحو مدينة طرابلس ليساندوا اخوانهم في العاصمة على تحرير مدينة وكان لنا النصر من عند الله عز وجل وبعد ذلك اتجهنا إلى معارك التحرير في الجنوب وبني وليد وسبها وأخيراً اريد أن اقول بأن الثورة كان لي فيها 4 اصدقاء استشهد 3 منهم وأحدهم تم إعدامه أمامي يوم 4/ 3/ 2011 كنا شبابا اخر كلمات أحدهم انه لا يملك في نفسه شيئاً فهو مقدمها لله وللوطن فعلينا أن نقتضي بوصايا الشهداء. الآن دورنا نحن في بناء ما بدأه شهداؤنا فنكمل المشوار ولا نترك دماؤهم تضيع هباء.
وعند انتهائنا من تسجيل هذه الكلمة لأحد الأبطال التقينا بمنسق اللجنة الإعلامية السيد أحمد عبد الكريم أحمد من سكان مدينة الزاوية كانت مهنته حلاقا في البداية حدثنا قائلاً: إنه عند تواجدي في عملي مرت من أمامنا في بداية الانتفاضة سيارات مهمتها استفزاز شباب وأهالي الزاوية عندها قلت في نفسي لو تحدث انتفاضة سأكون أول المنضمين إليها وكان ذلك في يوم 17 - 18 - 19 - 2/ 2011 ولكن في يوم 20 تنادت المظاهرات من كل مكان كانت الانتفاضة في هذا اليوم من أكبر الأيام تواجداً للشعب وأذكر أني رأيت في ذلك اليوم امرأة في مقدمة المظاهرات عرفت بعدها أنها من حرائر الزاوية التي سجلت اسمها بأول امرأة تلتحم مع اخوانها ضد الطاغية في ذلك اليوم اذكر في تلك الأيام عندما كنا في مسيرة تنادى بنصرة أهلنا في بنغازي أننا مررنا بشارع جمال متجهين إلى بيت الطاغية آنذاك وعند وصولنا لمركز الشرطة شكلنا أمامه سلسلة بشرية لكي نحميه من التخريب وكذلك المستشفى اعني بكلامي أننا لسنا بمخربين كما ادعى الطاغية علينا رجعنا بعدها إلى المسجد الموجود في الميدان وقمت بمد يد العون للمعتصمين هناك بأي شيء عندها التقيت بالصحفي ربيع شرير وقلت له عليك أن تتكلم في الإذاعة وأن تقوم بمداخلة فقال لي أنا مراسل في الجزيرة والعربية وإلى أي قناة خارجية لكي اظهر الصورة الصحيحة من قلب الحدث عندها طلب مني الاستاذ جمال اسطوش بأن نقوم بتشكيل لجنة إعلامية فكان ذلك ولأول مرة في حياتي امسك بالميكروفون واتكلم كنت أحاول أن ازيد من عزيمة الشباب الموجودين فربطت هذا المذياع بمذياع الجامع «رمز ثورتنا» وبعدها قمعنا بقوة شديدة عندها تفرق الناس وكل شخص بحث عن ملاذ آمن لكي يستجمع فيه قواه ويحاول العودة لمواصلة المشوار فكانت وجهتي إلى المنزل فلحق بي ازلام النظام فحصل في ذلك اليوم اعجوبة من الله عندما طرقوا علينا الباب في المنزل بحثاً عني تقدمت وقلت لاخوتي واخواني بأن يرجعوا للوراء لأنه إذا اطلقوا الرصاص سأكون أنا دون غيري في استقباله فعندما فتح الباب دخل الازلام إلى البيت وذكروا اسمي وهم لا يعرفون أني أنا المقصود بعدها خرجوا فاتجهت إلى منزل خالي في وسط المدينة وبقيت فيه قرابة 4 أشهر وأكثر وبعد أن شارف شهر رمضان على الدخول طلبت منهم بأني اريد الخروج فقاموا بنقلي إلى قطعة أرض بعيدة عن الزاوية يمتلكونها. بها غرفة فقط وبقيت بها قرابة 16 يوماً كنت أنتظر أن يأتي الكهرباء لكي استطيع أن املأ ما يمكن شربه في باقي اليوم واقوم بطهو الخبز بنفسي على الحطب وبعدها خرجت واتجهت متسللاً من المزارع والازقة لأنضم إلى الثوار الذين باتوا قريبن، جداً في ذلك الوقت للزاوية، فكان ذلك وبعدها دخلت معهم يوم التحرير فكان يوماً تاريخياً بالنسبة لنا وقتها وقمت بتشكيل اللجنة الإعلامية واستمررنا في عملنا إلى هذه اللحظة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بتعليقاتكم على منشوراتنا و تذكروا قول الله تعالى و ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد